أبو محمد الجولاني، الزعيم العسكري الذي أدار هجوم قوات المعارضة السورية على مدينة حلب، لا يزال يثير الجدل والنقاشات حول شخصيته وأهدافه.
يعود هذا الجدل إلى كونه يقود واحدة من أخطر الجماعات الجهادية في سوريا، وهي “هيئة تحرير الشام”، التي تُصنف كمنظمة إرهابية من قبل العديد من الدول، بما في ذلك الولايات المتحدة.
أحمد الشرع
تتضارب المعلومات حول الجولاني، مما يضيف لغزًا إضافيًا لشخصيته. فبينما تشير بعض التقارير إلى أنه وُلد في دير الزور بسوريا عام 1981، تقول مصادر أخرى إن اسمه الحقيقي هو أحمد حسين الشرع وأنه وُلد في الرياض عام 1982. تربى في دمشق، لكنه اتجه إلى العراق في بداية الألفية للانضمام إلى تنظيم القاعدة في العراق بقيادة أبو مصعب الزرقاوي، ومن هناك بدأ صعوده في صفوف الجماعات الجهادية.
قائد جبهة النصرة
الجولاني، الذي انتقل إلى سوريا في عام 2011 بعد بداية الانتفاضة ضد نظام الأسد، أصبح قائدًا لجبهة النصرة التي تأسست كفرع لتنظيم القاعدة. ولكن رفضه للاندماج مع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش” عام 2013، وموقفه المستقل عن تنظيم القاعدة لاحقًا، يوضحان تحولًا في أجندته السياسية والعسكرية.
عام 2017، أعاد الجولاني تشكيل جماعته لتصبح “هيئة تحرير الشام”، مُسجلًا تغييرًا في هيكلها التنظيمي. وعلى الرغم من تركيز الهيئة على الشأن المحلي في إدلب، وسعيها لإدارة الحكم تحت الشريعة الإسلامية، فإن هذا لا ينفي حقيقة أن سياساتها ظلت قاسية تجاه المعارضين.
قائد براغماتي
ورغم أن الجولاني حاول تصوير نفسه كقائد براغماتي، محاولاً التخلص من ارتباطاته بجماعات جهادية دولية، فإن محاولاته لم تحل دون أن يُصنف كإرهابي دولي من قبل الحكومات الغربية. كما أن حملاته العسكرية ضد النظام السوري واحتفاظه بالسيطرة على إدلب جعلته شخصية محورية في الصراع السوري، حيث يجمع بين العمليات العسكرية والدبلوماسية.
أبو محمد الجولاني إحدى الشخصيات الأكثر إثارة للجدل في الحرب الأهلية السورية
في المقابل، تظل صورة الجولاني في نظر بعض السوريين أكثر تعقيدًا؛ فبينما يراه البعض مدافعًا عن المدنيين في شمال غرب سوريا، يشكك آخرون في أسلوب حكمه القمعي وتورطه في انتهاكات لحقوق الإنسان.
ورغم انقضاء أكثر من عقد على بداية ظهوره البارز، يبقى أبو محمد الجولاني إحدى الشخصيات الأكثر إثارة للجدل في الحرب الأهلية السورية، وبطلاً للجماعات الجهادية التي لا تزال تعتقد بمشروعية أهدافه، بينما يعتبره آخرون تهديدًا كبيرًا لاستقرار المنطقة.
إدلب
ومع استمرار الحرب السورية، أصبحت هيئة تحرير الشام تحت قيادة الجولاني إحدى القوى الرئيسية في شمال غرب سوريا، وتحديدًا في محافظة إدلب التي تعد آخر معقل رئيسي للمعارضة السورية.
ورغم محاولاته الدائمة إعادة تقديم نفسه كقائد مدني، بعيدا عن الصورة المرتبطة بالإرهاب، فإن قسوة سياساته على الأرض تظل واضحة.
تتعدد التقارير التي تتحدث عن قمع الهيئة للمعارضين والمظاهرات الشعبية في المناطق التي تسيطر عليها، حيث أُشير إلى استخدام الهيئة للترهيب والعنف في مواجهة أي احتجاجات ضد حكمها.
صورة أكثر واقعية
ورغم هذه القسوة، نجد أن الجولاني استطاع أن يقدم صورة مختلفة عن التنظيمات الجهادية الأخرى التي تحارب في سوريا، فقد سعى من خلال خطاباته ومقابلاته الإعلامية إلى تقديم نفسه كزعيم محلي يُعنى بمستقبل سوريا ومصير الشعب السوري، ويؤكد في تصريحاته على رفضه للهجمات الخارجية أو العمليات الإرهابية التي تستهدف المدنيين في دول أخرى، وعلى الرغم من تأكيده على إيمان جماعته بالحكم الإسلامي، إلا أن هناك محاولات لتقديم صورة أكثر واقعية يمكن أن تتوافق مع سياسات بعض القوى الدولية والإقليمية.
حكومة الإنقاذ
من ناحية أخرى، تستمر هيئة تحرير الشام في تعزيز نفوذها على الأرض من خلال بناء مؤسسات مدنية وإدارية داخل المناطق التي تسيطر عليها، تم تأسيس “حكومة الإنقاذ” في إدلب، والتي تدير الاقتصاد والخدمات الأساسية مثل الصحة والتعليم والأمن الداخلي. ولكن حتى في هذه المجالات، لا تخلو التقارير من انتقادات تتعلق بالفساد أو سوء الإدارة. ومع أن الجولاني يحاول استغلال هذه الصورة لتوسيع قاعدة الدعم الشعبية، فإن التحديات الأمنية والسياسية التي تواجهه تظل حاضرة بقوة.
قائد محلي
فيما يتعلق بالعلاقات الخارجية، فقد عمل الجولاني على تأكيد استقلاليته عن تنظيم القاعدة ورفض الاندماج مع تنظيم الدولة الإسلامية “داعش”، وهو ما عزز من صورته كقائد محلي يسعى لتحقيق مصالح سوريا دون الانجرار وراء الأيديولوجيات العالمية. ومع ذلك، لا يزال يتعرض لانتقادات من قبل المجتمع الدولي، الذي يرى في تصرفاته تهديدًا لأمن واستقرار المنطقة، ويستمر في تصنيفه كإرهابي عالمي.
ومع ذلك، يبدو أن الجولاني، الذي نجح في البقاء على قيد الحياة وسط العديد من محاولات الاغتيال، يمثل جزءًا من المعادلة الصعبة في سوريا التي لا يمكن تجاهلها، هو أحد اللاعبين الأساسيين في مشهد الحرب، وفي الوقت نفسه، يعد رمزًا للغموض والصراع على السلطة في منطقة تعد من أكثر المناطق اضطرابًا في العالم. وبينما يسعى للبقاء لاعبًا مؤثرًا في هذا الصراع الدموي، تظل التساؤلات مفتوحة حول مستقبله ودور “هيئة تحرير الشام” في سوريا ما بعد الحرب.
جبهة النصرة
بعد أن أنشأ الجولاني “جبهة النصرة” في عام 2012 كفرع لتنظيم القاعدة في سوريا، بدأت الجماعة في تحقيق مكاسب ميدانية قوية. وكان الجولاني أحد أبرز القادة العسكريين في تلك الفترة، حيث استطاع أن يحقق توازنًا بين قيادة العمليات العسكرية والتعامل مع الظروف السياسية المتغيرة. ففي عام 2016، قرر الجولاني الانفصال عن القاعدة، مؤكدًا تحوله نحو استراتيجية أكثر محلية تخص محاربة نظام الأسد فقط.
جبهة فتح الشام
من ثم، تم تغيير اسم الجماعة إلى “جبهة فتح الشام” ثم “هيئة تحرير الشام” في عام 2017، بهدف التفريق بين هدف الجماعة المحلي والعالمي. ورغم محاولات الجولاني الترويج لهذه التغييرات كجزء من عملية تحول استراتيجية، يظل انتقاد “الهيئة” مستمرًا من قبل المراقبين والمجتمع الدولي، الذي يراه تمددًا لجماعة جهادية راديكالية ترفض التسويات السياسية أو المصالحة مع النظام السوري.
زعيم مرن
من جانبه، حاول الجولاني تقديم نفسه كزعيم مرن قادر على التفاوض مع القوى الإقليمية والدولية، حيث حاول مرارًا التعاون مع تركيا وأطراف أخرى لزيادة نفوذه، بل وحتى عرض بعض التنازلات التي قد تسهم في ضمان بقاء جماعته في مناطق سيطرتها في إدلب، ولكن مع استمرار الحرب والتضييق العسكري والسياسي على مناطق المعارضة، أصبح وضع الجولاني معقدًا.
في النهاية، تظل شخصية الجولاني غامضة في العديد من جوانبها، وتظل التقارير المتضاربة حول حياته وماضيه مصدرًا لاهتمام شديد في سياق الصراع السوري المستمر. ورغم محاولاته المتواصلة لتقديم نفسه كقائد براغماتي يسعى لتحسين حياة السوريين في مناطق سيطرته، لا تزال حقيقة ارتباطاته بجماعات جهادية وأيديولوجيات متشددة تضعه في دائرة الاستهداف الدولي.
إن الجولاني يظل أحد أبرز الشخصيات في تاريخ الحرب السورية، وهو رمز للتقلبات والتحولات التي شهدتها الأزمة السورية من جهة، ولمسار الجماعات الجهادية المتشددة من جهة أخرى، مما يجعل مستقبله مستمرًا في ظل حالة من الغموض السياسي والعسكري الذي لا يزال يعصف بالمنطقة.
اقرأ أيضاً:
• ترامب يعزز سياسة “أمريكا أولاً” بفريق رئاسي موالٍ تمامًا .. تعرف على حكومة ترامب بالكامل
• إطلاق جائزة الشيخ محمد بن صالح باشراحيل: دعم للإبداع الأدبي بجوائز تتجاوز مليون جنيه
• لغز المجوهرات المسروقة في قضية عمر زهران: القصة الكاملة
• الرئيس السيسي يعين خالد عبد العزيز رئيساً للمجلس الأعلى لتنظيم الإعلام