تعتبر التكية السليمانية في دمشق واحدة من أبرز المعالم التاريخية التي تجسد طابع العمارة العثمانية، حيث تبرز كصرح معماري ضخم على ضفاف نهر بردى، شاهدة على حقبة من التاريخ العثماني الذي ترك بصماته واضحة على المدينة.
صمم هذه التكية المعماري العثماني الشهير سنان في عام 1502م، بتكليف من السلطان العثماني سليم القانوني، وذلك لإقامة تكية في موقع القصر الأبلق الذي كان ملكًا للسلطان المملوكي الظاهر بيبرس.
تصميم التكية السليمانية: بين العثماني والدمشقي
تتميز التكية السليمانية بتخطيط معماري يعكس الروح العثمانية، مع لمسات فنية دمشقية تميزت بها التصاميم الداخلية.
يتألف البناء من كتلتين متصلتين ومتناسقتين، حيث تضم الكتلة الكبرى الجامع والتكية، بينما تحتوي الكتلة الصغرى على المدرسة.
يفصل بين الكتلتين سوق كان مخصصًا لقوافل الحجاج. ويظهر التأثير العثماني بوضوح في الهيكل الهندسي للمبنى، بينما تضفي الزخارف الدمشقية المميزة على الأبواب والنوافذ والجدران جمالية فريدة تجعل من التكية تحفة معمارية تعكس融合ًا بين الفنون الإسلامية والعثمانية.
التكية بعد الدولة العثمانية
مع نهاية الدولة العثمانية، شهدت التكية العديد من التحولات. ففي عام 1923، تحولت التكية إلى دار للمعلمين، حيث توقفت عن استقبال النزلاء. وفي عام 1948، استضافت التكية عددًا من الأسر الفلسطينية النازحة عقب نكبة فلسطين.
في عام 1934، أصبحت التكية مقرًا لتدريس طب الأسنان بعد افتتاح الجامعة السورية في دمشق، ثم تحولت لاحقًا إلى معلم أثري يضم متحفًا حربيًا. رغم هذه التحولات، استمرت الأنشطة الدينية في المصليات والجامع التابع للتكية.
تحقيق رؤيا السلطان
أدى حلم السلطان سليمان القانوني برؤية النبي محمد صلى الله عليه وسلم في منامه إلى بناء التكية السليمانية. في الرؤيا، أمره النبي ببناء مسجد في أحد بساتين دمشق، ليقرر السلطان بناء تكية كبرى وجامع في نفس الموقع الذي أشار إليه النبي في الرؤيا، وهو ما تناقله عدد من المؤرخين، هذا الحلم كان بمثابة دافع قوي لتحقيق الرؤية الدينية للسلطان.
إهمال النظام المخلوع وزيارة أردوغان
شهدت التكية إهمالًا كبيرًا من قبل حكومة النظام السوري المخلوع، مما أدى إلى تفريغها من الحرفيين الذين كانوا يمنحون المكان طابع الحياة والازدهار.
في عام 2009، زار الرئيس التركي رجب طيب أردوغان التكية أثناء وجوده في سوريا، حيث تعهدت تركيا بالمساهمة في ترميمها. لكن مع اندلاع الثورة السورية في عام 2011، توقفت تلك الجهود ولم يتم إتمام الترميم.
التكية في المفهوم العثماني
تعتبر التكية السليمانية في المفهوم العثماني مركزًا روحيًا واجتماعيًا مهمًا، حيث كانت تحتضن المتصوفين والدراويش، وتوفر مأوى للفقراء والمحتاجين، فضلاً عن كونها ملاذًا للمسافرين والعابرين.
كما كانت تقدم خدمات هامة للحجاج أثناء رحلتهم إلى مكة، حيث تؤمن لهم الطعام والمؤونة والمأوى لعبت التكية السليمانية أيضًا دورًا هامًا في تعليم الفقراء وتوفير بيئة دينية ملائمة لتأدية الفروض الدينية.
الخاتمة
التكية السليمانية هي أكثر من مجرد معلم معماري؛ فهي صرح تاريخي وثقافي وديني يعكس تاريخ دمشق الغني ويجمع بين فنون العمارة العثمانية والطابع الدمشقي الأصيل.
رغم تقلبات الزمن والتحولات التي شهدتها، تبقى التكية رمزًا للأصالة والعراقة، شاهدة على قوة الارتباط بين دمشق وحقب تاريخية مختلفة.
اقرأ أيضاً في إشعار:
• رسميًا .. وقف إطلاق النار في غزة بعد 466 يومًا من العدوان
• الرئيس السيسي: مصر قادرة على مواجهة أي تحديات داخلية أو خارجية
• الهيئة الوطنية للإعلام: أذان الصلوات الخمس بإذاعة القرآن الكريم سيُبث بأصوات سبعة من أبرز القراء
• السير مجدي يعقوب يقترب من إنجاز طبي مذهل: صمامات قلب تنمو داخل الجسم
• جود لو: مسيرة فنية حافلة بالنجاح والتألق