نفذت إسرائيل عملية في لبنان تمثلت بتفجير أجهزة الاتصال ” البيجر ” الخاصة بعناصر حزب الله ، وقد حظيت هذه العملية باهتمام كبير من المحللين، وكشف موقع “إن تي في” الألماني أن هذه العملية كانت محضرة منذ سنوات.
تسلل وشركة وهمية
أوضح الخبير العسكري إيليا ماجنييه، المقيم في بروكسل، أن إسرائيل كانت بحاجة للوصول إلى سلسلة توريد أجهزة النداء لتنفيذ العملية.
وأكد مصدر في شركة دفاع إسرائيلية للموقع الألماني أن المتفجرات تم تركيبها في نقطة معينة ضمن سلسلة التوريد.
وأضاف ماجنييه أن الاستخبارات الإسرائيلية تسللت إلى عملية إنتاج الأجهزة وزرعت مكونًا متفجرًا وآلية تفجير عن بعد دون إثارة الشكوك، وربما أن الشركة المزودة للأجهزة أنشأتها الاستخبارات الإسرائيلية لهذا الغرض.
تحضيرات دامت سنوات
رجح خبراء لموقع “إن تي في” أن العملية كانت مخططة منذ فترة طويلة، وأن الأجهزة التي استوردها حزب الله مؤخرًا تم التلاعب بها لتنفجر في وقت محدد.
وذكر مسؤول أمني لبناني لوكالة “رويترز” أن الموساد زرع لوحة دوائر تحتوي على متفجرات وشفرة داخل الأجهزة، وكان من المستحيل اكتشافها.
وأضاف أن 3000 جهاز من أصل 5000 انفجروا في نفس اليوم، ما أدى إلى مقتل 12 شخصًا على الأقل وإصابة 2800 آخرين، بينهم السفير الإيراني في بيروت.
أجهزة مستوردة حديثًا
أكدت مصادر مقربة من حزب الله لوكالة “فرانس برس” أن الأجهزة التي انفجرت تم استيرادها مؤخرًا، وهي من طراز “Gold Apollo AR-924” التايوانية.
متفجرات مفعّلة بمكالمة هاتفية
أشار تشارلز ليستر من معهد الشرق الأوسط للأبحاث إلى أن العملية كانت أكثر من مجرد تعطيل للبطاريات، إذ يُعتقد أن كمية صغيرة من المتفجرات تم تركيبها في الأجهزة وتفجيرها عن طريق مكالمة أو إشارة لاسلكية.
ردود الفعل
تبرأت الشركة التايوانية “جولد أبولو” من المسؤولية عن الأجهزة، موضحة أن الأجهزة كانت تحمل اسم علامتها التجارية فقط دون أن تصنعها.
في الوقت ذاته، نفت الولايات المتحدة أي تورط لها في الهجوم. من جهتها، وصفت إيران الهجوم بأنه “عمل إرهابي” وحمّلت إسرائيل المسؤولية، فيما حذرت الأمم المتحدة من تصعيد الوضع في الشرق الأوسط، ووصفت التطورات بالمقلقة.
هجوم البيجر غير مسبوق
جدير بالذكر أنه قد انفجرت مئات من أجهزة النداء ” البيجر ” التي يُعتقد أن جماعة حزب الله تستخدمها بشكل متزامن في أنحاء البلاد أمس الأربعاء 18 سبتمبر، مما أسفر عن وفاة اثنتى عشرة أشخاص وإصابة أكثر من 3000 آخرين، في حادثة غير مسبوقة وقاتلة في لبنان.
وفي تعليق له، أوضح المهندس “محمد مغربي”، استشاري التأمين الرقمي والذكاء الاصطناعي، أن الحادثة تعكس استغلالًا لتكنولوجيا قديمة.
وأوضح أنه لفهم هذه التفجيرات يمكن النظر إلى الجوانب التقنية المتعلقة بالأمن السيبراني والهندسة العكسية للأجهزة اللاسلكية، مشيرًا إلى ثلاثة محاور أساسية:
1. استغلال البنية التحتية للاتصالات: تعمل أجهزة البيجر على ترددات محددة لاستقبال الرسائل القصيرة، ويمكن للمهاجمين استغلال هذه الترددات عبر إرسال إشارات مشفرة لاستهداف الأجهزة، مثل استخدام تقنية “التداخل اللاسلكي” (Jamming)، ما يجبر الأجهزة على العمل بشكل غير طبيعي أو تنفيذ أوامر خاطئة تؤدي إلى الانفجار.
2. الهندسة العكسية للأجهزة: يقصد بها دراسة الجهاز من الداخل لاكتشاف نقاط الضعف. يمكن أن يكون المهاجمون قد استغلوا ثغرات في البرمجيات القديمة غير المحمية بشكل كافٍ لإصدار أوامر مباشرة تؤدي إلى تدمير الدوائر الكهربائية للأجهزة.
3. الهجمات السيبرانية المركبة: من المحتمل أن يكون هذا جزءًا من هجوم سيبراني مركب يجمع بين تقنيات متعددة. يمكن للمهاجمين استغلال أنظمة التحكم عن بعد التي ترسل التحديثات أو الأوامر، خاصة إذا تمكنوا من الوصول إلى النظام المركزي الذي يدير الأجهزة.
اختراق الهواتف الذكية
أما فيما يتعلق باختراق الهواتف الذكية، أشار مغربي إلى أن الأمر ليس مستحيلًا ولكنه بالغ الصعوبة، نظرًا لما تتمتع به الأجهزة الحديثة مثل الهواتف من تشفير متقدم وحماية قوية. وتوفر أنظمة التشغيل مثل Android وiOS حماية متعددة الطبقات ضد البرمجيات الضارة، مما يجعل من الصعب جدًا اختراقها دون الوصول المباشر. في المقابل، أجهزة البيجر عادة ما تفتقر إلى مثل هذه التدابير الأمنية المتقدمة، مما يجعلها أكثر عرضة للاختراق.
وأضاف أن البنية التحتية للهواتف الذكية تتضمن أنظمة حماية مدمجة لمراقبة وتحليل الأنشطة المشبوهة، على عكس أجهزة البيجر التي قد تفتقر إلى تلك الأنظمة، ما يجعلها هدفًا سهلاً للهجمات التي تستغل تردداتها أو ثغراتها الأمنية.
بيان حزب الله
أصدرت جماعة حزب الله اللبنانية بيانًا يوم الأربعاء أعلنت فيه أن الأمين العام للحزب، حسن نصر الله، سيلقي خطابًا يوم الخميس، وذلك بعد سلسلة من التفجيرات التي طالت أجهزة الاتصالات “البيجر” في مناطق مختلفة من لبنان يوم الثلاثاء.
وتعهد حزب الله بمواصلة عملياته العسكرية ضد إسرائيل دعمًا لقطاع غزة، مشيرًا إلى أن هذا الدعم منفصل عن “الحساب العسير” الذي ينتظر إسرائيل عقب المجزرة التي وقعت يوم الثلاثاء، ونعى الحزب ثمانية من مقاتليه، بينهم نجل النائب في كتلته البرلمانية، علي عمار.
2750 جريح و 9 قتلى
بدوره، أعلن وزير الصحة اللبناني، فراس الأبيض، أن عدد المصابين نتيجة تفجيرات البيجر بلغ 2750 جريحًا، إضافة إلى تسعة قتلى، من بينهم طفلة تبلغ من العمر ثماني سنوات. وأكد أن هذه الأرقام ليست نهائية بعد، مشيرًا إلى أن الإصابات تشمل جروحًا خطيرة في الوجه، اليدين، البطن، والعيون. وأضاف أن أكثر من 100 مستشفى في لبنان في حالة تأهب لاستقبال المصابين.
وأوضح حزب الله أن عددًا من أجهزة الاستقبال المعروفة بـ”البيجر” التي تستخدمها وحداته المختلفة انفجرت، وحمّل إسرائيل المسؤولية الكاملة عن هذا “العدوان الإجرامي” الذي طال المدنيين، متوعدًا بـ”القصاص العادل”.
عدوان إسرائيلي
من جانبها، أدانت الحكومة اللبنانية ما وصفته بـ”العدوان الإسرائيلي” واعتبرته خرقًا خطيرًا للسيادة اللبنانية، مؤكدة أنها بدأت اتصالات مع الدول المعنية والأمم المتحدة لتحميلها المسؤولية.
في المقابل، لم تعلق إسرائيل على الاتهامات اللبنانية، فيما أوردت هيئة البث الإسرائيلية أن الحكومة الإسرائيلية طلبت من الوزراء الامتناع عن الإدلاء بأي تصريحات.
وأفاد الأمن الداخلي اللبناني بأن أجهزة الاتصالات اللاسلكية من “أنواع معينة” انفجرت في عدة مناطق، من بينها الضاحية الجنوبية، وتسببت في إصابات عديدة. ودعا البيان المواطنين إلى إخلاء الطرق لتسهيل عمليات الإغاثة.
أكبر خرق أمني
وصرح مسؤول في حزب الله بأن تفجير أجهزة النداء يعد “أكبر خرق أمني” يتعرض له الحزب منذ قرابة العام في حربه مع إسرائيل، وفقًا لتصريحات نقلتها وكالة رويترز.
وفي السياق ذاته، أعلنت وكالة مهر الإيرانية إصابة السفير الإيراني في لبنان، مجتبى أماني، جراء “هجوم سيبراني” استهدف لبنان وسوريا، دون تقديم مزيد من التفاصيل. وأكدت السفارة الإيرانية أن السفير أصيب بجروح سطحية وأن حالته مستقرة.
كما أفادت مراسلة “بي بي سي” بمقتل نجل النائب عن حزب الله علي عمار، وإصابة نجل النائب حسن فضل الله، وأشارت إلى أن مستشفيات بيروت وصلت إلى طاقتها الاستيعابية القصوى بسبب عدد الجرحى الكبير.
وطلبت وزارة الصحة اللبنانية من المستشفيات الاستعداد التام لاستقبال المصابين، بينما أعلن الصليب الأحمر اللبناني عن تجهيز 50 سيارة إسعاف إضافية و300 فني طوارئ للمساعدة في نقل الضحايا. كما طلبت الوزارة من جميع المواطنين الذين يمتلكون أجهزة اتصال من نوع “بيجر” التخلص منها فورًا.
انفجارات سوريا
وفي سوريا، وقعت التفجيرات في عدة مناطق بما في ذلك كفرسوسة ومحيط السيدة زينب والقلمون الغربي. وأعلن المرصد السوري لحقوق الإنسان أن 14 شخصًا من حزب الله أصيبوا نتيجة انفجار جهاز اتصال داخل سيارة في كفرسوسة، بينما أكدت مصادر أن الانفجارات في سوريا مرتبطة بتلك التي وقعت في لبنان.