في العقود الأخيرة، أصبحت قضية تناقص عدد السكان واحدة من أكبر التحديات التي تواجه بعض الدول الكبرى، مثل روسيا والصين. يؤدي هذا التراجع إلى تأثيرات بعيدة المدى على الاقتصاد والمجتمع، ما يجعل التعامل معه أمراً ملحاً.
ورغم أن أسباب هذه الظاهرة تختلف بين البلدين، فإن النتائج والمخاطر تتشابه، مما يستدعي البحث عن حلول فعالة ومستدامة.
روسيا: شبح التراجع السكاني
تواجه روسيا أزمة ديموغرافية تتسم بارتفاع معدلات الوفيات، لا سيما الناتجة عن الأمراض المزمنة، إلى جانب انخفاض معدلات المواليد.
تشير الإحصائيات إلى أن العديد من الشباب الروسي يفضلون تأخير الإنجاب أو الاكتفاء بعدد قليل من الأطفال نتيجة للتحديات الاقتصادية وعدم الاستقرار. إذا استمرت هذه الاتجاهات، من المتوقع أن تنخفض القوة العاملة الروسية بنسبة تصل إلى 10% بحلول عام 2030، مما سيؤثر بشكل كبير على الاقتصاد الروسي.
لمعالجة هذه المشكلة، تبنت الحكومة الروسية سياسات تهدف إلى تحفيز الأسر على الإنجاب، بما في ذلك تقديم دعم مالي ومزايا للأسر الكبيرة.. لكن رغم هذه الجهود، لا تزال النتائج محدودة بسبب صعوبة تغيير العوامل الاجتماعية والاقتصادية المؤثرة في قرارات الإنجاب.
الصين: إرث سياسة الطفل الواحد
على الجانب الآخر، دفعت الصين ثمناً باهظاً لسياسة الطفل الواحد التي فرضتها لعقود طويلة. أدت هذه السياسة إلى تقلص أعداد الشباب وارتفاع معدلات الشيخوخة، مما يهدد التوازن السكاني في البلاد.
تشير التقارير إلى أن نسبة السكان الذين تزيد أعمارهم عن 60 عامًا في الصين قد تتجاوز 30% من إجمالي السكان بحلول عام 2040، وهو ما يشكل ضغطًا كبيرًا على نظام الرعاية الصحية والاقتصاد.
رغم أن الصين ألغت سياسة الطفل الواحد وأعلنت عن إمكانية إنجاب ثلاثة أطفال، إلا أن تغيير الاتجاهات السكانية لا يزال تحديًا كبيرًا.
يعود ذلك إلى ارتفاع تكاليف المعيشة، خاصة في المدن الكبرى، وتكاليف التعليم الباهظة التي تدفع العديد من الأسر إلى الاكتفاء بإنجاب طفل واحد فقط. هذه العوامل الاجتماعية والاقتصادية تشكل عقبة أمام تحقيق أهداف الحكومة في رفع معدلات المواليد.
التحديات المشتركة والحلول الممكنة
يتشابه التحدي الديموغرافي في روسيا والصين من حيث تأثيره على الاقتصاد. انخفاض القوة العاملة وتزايد نسبة كبار السن يعنيان تراجع الإنتاجية وارتفاع أعباء الرعاية الاجتماعية والصحية. وللتغلب على هذه المشكلة، تحتاج الدولتان إلى سياسات بعيدة المدى تشمل:
1. تحسين الظروف الاقتصادية: توفير وظائف مستقرة وزيادة الدعم المالي للأسر.
2. إصلاح أنظمة الرعاية الصحية والتعليم: لتقليل التكاليف وتحسين جودة الحياة.
3. تغيير الثقافة الاجتماعية: من خلال حملات توعية تشجع على أهمية الأسرة والإنجاب.
4. دعم المرأة العاملة: بإجراءات مثل إجازات الأمومة المدفوعة وتوفير حضانات بأسعار معقولة.
الخاتمة
تواجه روسيا والصين تحديات خطيرة ناجمة عن تناقص عدد السكان، وهي مشكلة تحتاج إلى حلول مستدامة تتجاوز السياسات قصيرة الأمد.. يتطلب ذلك تعزيز الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي وتغيير النظرة المجتمعية نحو الإنجاب. إذا لم تتم معالجة هذه القضايا بفعالية، فقد يؤدي الانخفاض السكاني إلى إضعاف مكانة البلدين على الصعيدين الاقتصادي والجيوسياسي في المستقبل.
اقرأ أيضاً في إشعار:
• قمة الدول الثماني النامية للتعاون الاقتصادي: الرئيس السيسي يعزز التعاون الدولي (تقرير شامل)
• حقيقة انتشار متحور كورونا جديد .. الوقاية وطرق العلاج
• قصة أصحاب الكهف – عبرة من الماضي وأمل في المستقبل
• أزمة المياه في غزة .. استخدام إسرائيل للمياه كسلاح في غزة يفاقم أزمة إنسانية خانقة