شهدت سوريا، بعد سقوط نظام بشار الأسد، تغيّرات جذرية في المشهد السياسي والعسكري، حيث دخلت البلاد في مرحلة جديدة من الصراع الداخلي والخارجي على الموارد والمواقع الاستراتيجية.
ومع انهيار النظام الذي هيمن على السلطة لعقود، برزت تساؤلات عديدة حول مصير البلاد ومستقبلها في ظل التدخلات الإقليمية والدولية.
مرحلة ما بعد الأسد: الفراغ السياسي والمشهد الجديد
شكل سقوط نظام الأسد نهاية حقبة طويلة من السيطرة المركزية، وترك فراغًا سياسيًا كبيرًا استغلته قوى مختلفة لتوسيع نفوذها، فالمعارضة السورية المسلحة بمختلف فصائلها حاولت توحيد صفوفها لبناء نظام سياسي جديد، إلا أن التباين في الرؤى والأهداف حال دون تحقيق توافق واضح.
من جهة أخرى، عادت قوى إقليمية ودولية لتؤكد حضورها عبر دعم وكلاء محليين لتحقيق مصالحها في المنطقة، مثل روسيا، التي سعت للحفاظ على قاعدتها العسكرية في طرطوس، وإيران التي حرصت على تأمين تواجدها الاستراتيجي، إضافة إلى الدور الأمريكي في الشمال الشرقي الذي يركز على مواجهة تنظيم داعش وحماية الحلفاء الأكراد.
الخطر الإسرائيلي
مع سقوط نظام بشار الأسد وهروبه المفاجئ، استغل الجيش الإسرائيلي الفراغ الأمني في سوريا لتنفيذ هجمات واسعة وتوغلات عسكرية غير مسبوقة في المناطق الحدودية السورية، بما في ذلك المنطقة العازلة المقررة باتفاقية فك الاشتباك عام 1974.
العمليات تضمنت ضربات جوية وبرية وبحرية، استهدفت البنية العسكرية السورية ومواقع استراتيجية مثل جبل الشيخ.
أسباب التصعيد الإسرائيلي:
1. فراغ السلطة في سوريا: استغلال حالة الاضطراب لتوسيع النفوذ وترسيخ معادلات جديدة.
2. مخاوف إسرائيلية: احتمالية تغيير النظام واستبداله بسلطة غير متوقعة قد تدشن جبهة مقاومة لاستعادة الجولان.
3. استباق الأحداث: ضمان السيطرة على الأسلحة الإستراتيجية ومنع وصولها إلى فصائل معارضة أو إيران.
4. تعزيز الموقع العسكري: السيطرة على مرتفعات إستراتيجية لتوسيع القدرات الدفاعية والهجومية.
الدوافع السياسية:
• الحفاظ على الوضع الراهن في الجولان ومنع أي تفاوض بشأن مصيرها.
• رغبة إسرائيلية في تحسين أوراقها التفاوضية مع الأطراف الدولية والإقليمية بشأن مستقبل سوريا.
التبعات المحتملة:
رغم المكاسب العسكرية، حذرت تحليلات إسرائيلية من أن هذه التحركات قد تكون “خطأ تاريخياً”، إذ قد تؤدي إلى تصعيد واسع النطاق في المنطقة، وإلى تقويض العلاقات مع تركيا ودول أخرى.
باختصار، تهدف إسرائيل إلى استغلال الوضع الراهن في سوريا لتعزيز موقعها العسكري والسياسي، لكن هذه الخطوات محفوفة بالمخاطر الإقليمية والدولية.
التدخلات الإقليمية والدولية: صراع المصالح
شهدت سوريا في هذه المرحلة تحولًا إلى ساحة مفتوحة لصراعات القوى الكبرى والإقليمية.
روسيا: حاولت روسيا تأمين وجودها في سوريا عبر تحالفات مع قوى محلية وضمان استمرار مصالحها الاقتصادية والعسكرية.
إيران: حرصت إيران على تعزيز وجودها الميداني من خلال دعم الفصائل الشيعية وفرض نفوذها على المناطق الحيوية.
تركيا: استغلت تركيا سقوط النظام لتوسيع نفوذها في الشمال السوري، حيث ركزت على منع إقامة كيان كردي مستقل وفرض نفوذها عبر الفصائل الموالية لها.
الولايات المتحدة: واصلت واشنطن تدخلها في الشأن السوري من خلال دعم قوات سوريا الديمقراطية، متجاهلة التحالفات الإقليمية المتشابكة.
إعادة تقسيم الغنائم: الموارد والنفوذ
بعد سقوط النظام، برزت الموارد السورية كأحد أهم محاور الصراع. تتمثل أهم هذه الموارد في:
1. النفط والغاز:
لعبت حقول النفط والغاز دورًا محوريًا في الصراع، حيث تسعى كل جهة للسيطرة على الحقول الغنية، خاصة تلك الموجودة في دير الزور والحسكة.
2. المواقع الاستراتيجية:
أصبحت السيطرة على المناطق الحدودية والمعابر البرية جزءًا من الصراع، حيث تتنافس تركيا وإيران بشكل خاص على هذه النقاط.
3. إعادة الإعمار:
مع التدمير الواسع للبنية التحتية، تبرز إعادة الإعمار كفرصة اقتصادية ضخمة تسعى العديد من القوى الدولية للاستفادة منها.
الشعب السوري بين الأمل والمعاناة
وسط هذه الصراعات، يبقى الشعب السوري الضحية الكبرى. ملايين اللاجئين والمشردين يواجهون تحديات إنسانية واقتصادية، بينما تزداد المخاوف من تقسيم البلاد بشكل دائم نتيجة التدخلات الخارجية.
مستقبل سوريا: التسويات الممكنة
على الرغم من التعقيدات، فإن مستقبل سوريا قد يعتمد على قدرة القوى الدولية والإقليمية على الوصول إلى تسوية سياسية شاملة تأخذ بعين الاعتبار تطلعات الشعب السوري في الحرية والديمقراطية. بدون هذا التوافق، ستظل البلاد غارقة في دائرة الصراع والانقسامات.
يشير سقوط نظام الأسد إلى نهاية حقبة مظلمة من تاريخ سوريا، لكنه يفتح الباب أمام تحديات جديدة تتطلب من السوريين التكاتف لإعادة بناء وطنهم بعيدًا عن التدخلات الخارجية والصراعات على الغنائم. إن مستقبل سوريا مرهون بقدرة أبنائها على تجاوز الخلافات وتحقيق رؤية وطنية موحدة تسهم في استقرار المنطقة بأسرها.
اقرأ أيضاً:
• الحكم بالسجن عامين على المخرج عمر زهران في قضية سرقة مجوهرات شاليمار الشربتلي
• مصر تؤكد وقوفها إلى جانب الدولة والشعب السوري وتدعم وحدتها وسيادة أراضيها